Sunday, December 19, 2010

لماذا أنا مدوّن؟ (شهادة)

طلب مني علاء الدين محمود، المترجم والصحفي الشاب في عدة دوريات قاهرية بالإنجليزية، أن أكتب له عن تجربتي (القصيرة جدا على أي حال) كمدوّن مصري. مقالة كهذه في نيتي من مدة ولكن شكرا له على إعطائي الحافز لكتابتها. في رسالته، وجّه ثمانية أسئلة محددة، ربما خرجت عنها قليلا لدواعي السياق.

ولجت إنترنت لأول مرة عام 2001، لكني لم أصبح مدمنا لها قبل اكتشافي لغرف الدردشة ومواقع البورنو، وقد أقلعت عن كليهما ولله الحمد. ولم تتوفر في مكتبة الكلية أي مراجع وثيقة بموضوع ورقة تخرجي، وعنوانها نضج القَصَص الأفرو-أمريكي، فاستخدمت محرك بحث (لأول مرة) لأعثر على مقال تاريخي تحليلي ما اعتبرته وقتها معجزة. في عام 2003 فقط عرفت طريقي إلى المنتديات، واحد منها هو الذي عرّفني بمن أصبحوا أصدقائي الحميمين على الشبكة وخارجها، ومعهم أصبحت الدردشة بالنسبة لي قاصرة على من أعرفهم فعليا وأضيفهم للمراسل الفوري messenger. لا أقيم أو أتكلم بتفصيل عن الدردشة والمنتديات وكافة المحطات الأخرى لتجربتي مع إنترنت.
أحد أصدقاء المنتدى هؤلاء أخبرني يوما، وبطريقة لا تثير الاهتمام، أنه يكتب ما أسماه "مذكراته" على موقع مخصص لذلك (عرفه بدوره من محرك بحث أوصله لبلوج مصري). أرسل لي عنوان صفحته، قرأت ما كتب فيها لكنها لم تقدني إلى صفحات مماثلة، وكذلك الأمر مع الصفحة الرئيسية للموقع blogger.com الذي لم يوفر فيما بدا لي إمكانية بحث. في وقت آخر تبينت زرّ next blog على شريط navabar أعلى صفحة صديقي ويستعرض بلوج تلو آخر مما أعطاني انطباعا قويا بالتنوع في المحتوى والتصميم. ولم يكن من الصعب، من باب الفضول، الحصول على صفحة مماثلة.
اختر عنوان الصفحة أو اسم النطاق الفرعي (أي ما سيظهر يسار blogspot.com) واسم تسجيل الدخول وكلمة المرور واسم الظهور واسم الصفحة واملأ بياناتك (إن شئت)، وستستلم لوحة تحكم dashboard في كل هذا و – مقابل كل بلوج تنشئه – أدوات للتحرير والتصميم وإدارة الصفحة تقنيا. أول نشرة post ترسلها تطلق صفحتك على إنترنت. تستطيع الحصول على أي عدد من البلوجات، كما يمكن لأكثر من شخص المساهمة في بلوج واحد. البلوج باختصار سجل نشرات مؤرخة تحتمل النصوص والصور والروابط والتعليقات، مرتبة ترتيبا زمنيا متراجعا، مع قائمة جانبية بروابط أحدث النشرات وأرشيف لها، والروابط التي يضيفها المبلوج.
أمضيت وقتا ألهو (مثل طفل يكتشف لعبة من الداخل) بالإمكانيات والاحتمالات التي يوفرها الموقع والقالب template الجاهز القابل للتعديل. جربت تغيير الألوان والمواضع..إلخ، لم تكن لي أي خبرة تذكر بلغة HTML أو أي تكويد آخر. أنا ممن يسجلون خواطرهم ويومياتهم على الورق ولا يطلع عليها غيري، لكني اعتقدت أنني أمام شيء مختلف، وحتى الخواطر واليوميات منها ما يقبل البوح. هكذا استهللت بنقل يومية من الورق لبلوجي.
في الواقع كانت ثمة طريقة بحثية للوصول إلى بلوجات ومبلوجين آخرين؛ بالضغط على وصلات البلد والوظيفة والاهتمامات..إلخ (في ملف البيانات profile) ثم باستخدام شريط العنوان (كنوع من التحايل!) لأتسمر ليال متواصلة أمام مئات الصفحات التي تفتح كل منها عالما مدهشا لإنسان: مراهقة مريضة مكتئبة، عدّاء يلتقط أنفاسه، زوجة مخلصة تراودها لطشات داعرة، طالب طب قبطي مغترب فصيح بليغ، أخوين قاهريين رحّالين حصّلا ثقافة كلاسيكية راقية ومعرفة أصيلة بالمعلوماتية وتقنياتها، رجل ناقم على عبوديته كمواطن غربي مستخدما لغة متقعرة بشكل ساخر، كويتي ’مبقوق‘ من الكويت والإسلام والمسلمين، وطبعا الأمثلة تتحدى الحصر. لدى بعض البلوجات المصرية والعربية وجدت قوائم طويلة أعدوها وحدثوها وصنفوها بوصلات كل من انضموا لعالم البلوَجة (من العرب خاصة) ولو بمجرد نشرة البداية.
لاحظ زوار صفحتي مبكرا أنني نوبي، وطلبوا أن أرضي فضولهم لمعرفة ذلك الجزء المجهول من الوطن، لكني تعمدت ألا ألبي ذلك (إلى حين) فأنا هنا لا أمثل سوى نفسي، ولا أقدم شيئا يتوقعه زائري مسبقا. أيضا فللآن لم أضف لقائمتي الجانبية الشارة الترويجية الرابط لحلقة المدونات المصرية؛ خشيت أن ننساق على إنترنت أيضا في نفس الانتماءات التي لم نخترها على الأرض، ثم يقسمنا هذا من جديد إلى تكتلات منحازة (راجع تصويتات بابا) وهو ما يفترض بإنترنت إيجاد بديل له.
مما أبهجني كثيرا من بعض المبلوجين (هذه آخر مرة أستخدم فيها هذا التعريب هنا) حرصهم على ونجاحهم في أن تتحدث صفحاتهم العربية، ليس في أسمائها ونشراتها فقط بل في رؤوس القوائم الجانبية ووصلات التصفح ورطانة الكمبيوتر وإنترنت، والأهم: ترجمة هذه اللفظة الغريبة التي يفعلون ما يفعلون تحت لافتتها، لتصبح blog مدوّنة وblogging تدوين وblogger مدوِّنـ (ـة). وجدت اقتراحات أخرى (سجل شبكي، مكتوب، بلوج...) لكن الفعل "دوّن" ومشتقاته حاز إعجابا وتأييدا واصطلح عليه على نطاق واسع، وهو الأكثر توفيقا في تقديري.
نحتت blog من الكلمتين web log، ورغم أن كلمة مدونة لا تعطي نفس الدلالة المرتبطة بالشبكة، فإن هذا لا يمنع أن تصبح عَلَما على هذا الشيء، وطالما أننا الناطقون بالعربية لا نستخدمها تقريبا إلا كمصدر (تدوين) بل ومعرّفا في الغالب (التدوين) بما يعني عملية التسجيل بالصور والأبجدية والرموز الصوتية التي بدأ بها التاريخ. إن وجود هذه الدلالة الأخرى نفسها ليس مظهرا لـ ’آفة الترادف‘ (كما يسميها اللغوي بيومي قنديل – ويعني بها: استخدام اسم واحد للدلالة على مسميات مختلفة بشكل مربك)، بل هو استدعاء في محله لوصف عملية تاريخية كبرى مشابهة، لأن ما نفعله هنا ليس إلا تسجيلا بالكلمة والصورة والرابط والوسائط المتعددة..إلخ، فيما يسمى بالنص الفائق hypertext، على بعد ستة آلاف عام تقريبا من الألواح الطينية السومرية.
هنا أرضي شهوتي للكتابة (في الأساس)، أو التفكير والتأمل والتنفيس بالكلمات. إشراك الآخرين في ذلك من أنبل ما تقدمه لنا إنترنت، فأنا وزواري نتبادل الزيارة والإلهام والقراءة والخبرة، وهكذا تتحقق بشكل عبقري أغلب مميزات الدردشة والمنتديات (وأهمها اتصال وعلاقات تتجاوز العوامل المادية المشوشرة: المظهر، الجنس، الطبقة، العمر، الثقافة..إلخ) وتختفي عيوبها (كالطبيعة الزائلة بتعبير ألف، وتحكم الرقباء وتسلط موضوعات وعقليات بعينها، وإزعاج الزملاء، وطغيان الزينة الاستهلاكية، والنمطية على حساب جماليات صفحة الويب) وأيضا تحل المعادلة الأصعب: بروز الفرد كصوت وقيمة + التفاعل والاشتراك المفتوح في صياغة مضمون ونشاط.
مؤخرا رفضت إحدى مجموعات ياهو البريدية (المغلقة على أعضائها) مقالة لي بحجة تلميحاتها السياسية بينما الموقع ثقافي! كما أنني فشلت طيلة سنوات في أن أجعل شعري يغنى لأن الغناء عاطفي! هذا الاستقلال الذي أنعم به الآن جعلني أفكر في استخدام عنوان كتاب فرجينيا وولف (النسوي) اسما لمدونتي: غرفة تخص المرءَ وحدَه.
سألني علاء الدين (الذي يعتقد أنني صممت مدوّنة رائعة!) كيف أجعل صفحتي فريدة و’دماغ مع نفسها‘ (استخدم كلمة idiosyncratic) وسيفاجئ إذا علم أنني لم أبدع شيئا ولا أملك المهارات والمعرفة اللازمة للتصميم ولا البرمجة! لمجرد أن أميز صفحتي اخترت أبسط القوالب الثلاثة وثلاثين المتاحة على Blogger، ثم غيرت الألوان والخطوط والأبناط..إلخ، ولأن صفحتي عربية كما قررت منذ البداية (ربما أنشئ واحدة إنجليزية مستقبلا) ضبطت خواص المحاذاة وأوضاع تقسيمات الصفحة والعناوين وأسماء الروابط (بقدر المستطاع) بحيث تبدو مدونتي أكثر اتساقا وذات شخصية ما قريبة من مزاجي. كل هذا تطلب إلماما بمبادئ بسيطة لـHTML، والذي كان تعلمه في خطتي إلا أن التدوين جعلني بالفعل أخزن عدة مصادر شارحة، كما سأعكف قريبا على كتاب جامع، ولن يكون هذا آخر مطافي مع أدوات وحيل هذا الساحر الذي دخلت خيمته متأخرا بعض الشيء.
هذا اليسر الشديد هو ما يجعل المدونة اختراعا بالمعنى، لا مجرد تنويعة على فكرة الموقع الشخصي. فالأخير لن يمتلكه سوى من يدفع أو يعرف أسرار صنعه (أو كليهما). إن Blogger حتى لا يقذف في وجهك كل تلك الـpopups ليذكرك بأنك لا تدفع فمن حقه أن يستخدمك كإعلان! من يعرف تحريك الفأرة وبضع كلمات إنجليزية والضغط على مفاتيح الحروف يمكنه إنشاء مدونة. يدعو يحيى مجاهد نفسه شخصا ’غير رقمي‘ ويعجز حتى عن ضبط المحاذاة، لكننا نقرأه ونعقب على نشراته ونضع رابط مدونته عندنا، لقد كتب نفسه وهذا جوهر الأمر، ليس مطلوبا منه إبهارنا بلغة أصعب من لغة الكلام. وفي المسابقة الأخيرة للمدونات العربية فاز البعض من أمثال مجاهد!
ولن يقودك الموقع الشخصي لغيره بهذه الكيفية التي تتكون بها (على Blogger مثلا) ’عناقيد‘ من المدونات ذات التداخل والاستقلال معا في عشوائية محكمة! لكن السؤال/الهاجس الذي لا أملك إجابته: ماذا تستفيد مواقع المدونات؟ هل كانت المجانية بالنسبة لمالكيها مرحلة ككل تجارة لخدمة شبيهة؟ أم لاحظوا أن المجانية سمة يضيع بضياعها معنى ابتكارهم؟ هل المادة/المحتوى هو ما يكسبون، كالمنظمات غير الحكومية التي تمول مراكز الثقافات الشعبية دون مقابل مادي (فورد مثلا)؟ ألا يخسرون بمنح هذه المساحات كهبات؟ أم أن شراكاتهم مع أصحاب برامج رفع الصور والصوتيات هي الجانب التجاري في القصة؟
على العموم، وتلك ميزة أخرى عن غرف الدردشة والمنتديات، لا أظن مواقع التدوين ستتعرض للإغراق، إن جاز التعبير. فمن ليس لديه ما يقوله أو يقدمه (وباستمرار) لن يبقى طويلا وسيرحل من تلقاء نفسه، ولأسباب جلية للناظرين.
في 2004 اختارت التايم مدونة صهيونية للقب blog of the year، ولكن هيهات أن تنجح هذه التعمية والإصرار على استيطان كل أفق جديد. كان سلام باكس هو صاحب أول إشارة من مجرة المدونين تصل إلى كوكب الأرض، بتقاريره الشخصية الطازجة النابضة من قلب عاصمة يلفها الغبار المتصاعد من حرب إسقاط صدام حسين (نشرت يومياته تلك في كتاب الآن). ثم قام مدوّنو أرخبيل الملايو بإحراج عمالقة وسائل الإعلام التقليدية بتقاريرهم وصورهم المتلاحقة بمجرد أن استيقظ وحش تسونامي. ناعوم تشومسكي نفسه أحد المدوّنين!
رغم عملي منذ عامين ونصف في مجال إنترنت عرفت المدونات بالصدفة وخارج نطاق العمل! وكان عمر الذي عرفته بها يعمل مثلي ولنفس الزمن تقريبا (لأكتشف على مدونته الآن فقط كم يكتب شعرا حلوا لم أطلع عليه أبدا خلال صداقتنا!) ومنذ يومين بينما أدردش مع صديق سوري مقيم بالبرازيل، قارئ ورجل أعمال برمجية ومنشئ مواقع ومشرف منتديات، أبدى جهله التام بالموضوع! غاب مع العناوين التي أرسلتها له 5 دقائق فقط ليعود ويسألني: "حمكشة، كيف يمكنني الحصول على بلوغ؟!" يبدو أن الظاهرة لا تزال وليدة وغامضة حتى بين أهل إنترنت.
ومن كل ما سبق أشكك قليلا في النتيجة التي أظن ألف خلص إليها، وهي نخبوية المدوّنات (على مستوى الفكر والتعبير)، فلن يهاجر إليها أفضل عناصر المنتديات فقط، كما يقول، بل كل من يحتاج نفسيا وعقليا لهذه البيئة، وحتى السخفاء وعديمو المواهب لديهم ذكريات وألبوم صور شخصية. بل وأظن أنه سيرتقي بفكر وإنتاج هؤلاء.
أغفلت نقاطا كثيرة مثل مشاكلنا كمدوّنين (متابعة تحديثات الآخرين بشكل عملي، حقوق الملكية الفكرية...) وهل نفضل إخفاء هوياتنا الحقيقية (عن نفسي أفضل ذلك إلا بشكل فردي وليس على الملأ) وإدمان التدوين والرفت بسبب التدوين doocing والعدادات ودفاتر الزوار والمحسنات المختلفة وما هو تفسير إطلاق بعض المدونات على مواقع شخصية ونطاقات مستقلة، وغير ذلك مما أدعوكم للإشارة إليه في شهاداتكم عن تجاربكم، ولحسن الحظ أننا في شهر التدوين العربي (وليس ذي الحجة كما يشيع البعض!). هذه هي النقاط المطلوبة:
  • ظهور وتطور كلمة blog ومرادفاتها العربية وماذا تعني لك.
  • كيف عرفت عن التدوين؟
  • ما الذي دعاك لإنشاء مدونتك؟
  • تعليقك على الخطوات المستخدمة، هنا أو في أي موقع آخر، لعمل مدونة.
  • كيف تجعل مدونتك ذات طابع خاص؟
  • رشح مدوّنات مصرية كنماذج (وغير المصرية طبعا بغض النظر عن مهمة صديقي المحدودة).
  • هل يتطلب التدوين مهارات فنية معينة؟
  • ماذا أضاف التدوين لحياتك؟
  • أي ملاحظات أخرى.
اذكروا إذا أردتم عناوين مدوناتكم وأسماءكم الحقيقية ومعلومات عنكم، لمصر لا لعلاء الدين!

No comments:

Post a Comment