Sunday, December 19, 2010

حيوانات

(1)
يحتاج المرء إجازة تفرغ كي يصوّر الحزن في عيني كلب ضال يستطيع إذا تطور جهازه الصوتي أن يحسم لنا قضية وجود الله، فأنا لست إلا أعزب يستيقظ مبكرا على زقزقة عصفورين لا يحتاجان من أجل الجنس أكثر من حبل غسيل؛ يحطُّ فوقها لثوان محافظا على توازنه بخفق الجناحين ويهبط ليستقر ثوان أخرى على المنشر ويوالي، إذا لم تطردهما اليد التي تمتد لجمع ملابس بللتها الوحدة. دوّن هذه الملاحظة في خلية من مخه – المتضخم اليائس المغرور ككل أمخاخ سلالته التي تسيطر وتختزل عواطف السلالات الأخرى، رغم أن الكلب عمه في شجرة دارون، رغم أن الكلب ليس حزينا، لم يصور لك هذا إلا خيالك المريض، أنت فقط الحزين لأن شخصا جميلا مثل خاء سيموت دون أن يجد وقتا ليحسم قضية وجود الله.
(2)
تحت شمس وقمر حديثي الوجود في عالم بكر، جاءت تلك الطفلة إلى بلدتنا وأمسكت يدي فاحتضنت كتفها العاري ومشينا ولعبنا وقالت لأمي "يا تانت" ووعدتني جدتها بتزويجنا إذا تفوقت عليها في المدرسة. وعندما تفتح المدرسة تذهب هي، وتعود في الصيف من جديد. انتظرتها دائما كزهرة خلف السور تنتظر فراشة، وكنت أتحول في وجودها لفراشة وتطير معي، فقط معي. وربما قبل أن تختفي كان شيء ما قد تكوّن بيننا، ففي الصف الخامس الابتدائي تتحول الفراشة لبنت شعرها ملفوف على بكر ولشفتيها مذاق الفاكهة الدانية. ذات عام وصلتني عنها أخبار غير سارة (انتحرت أمها) ونسيت الموضوع فقد كنت أنا قد تحولت لدودة.
مؤخرا عرفت، وأنا أرفع أنقاض طفولتي، أنها في طب القاهرة. مر وقت طويل حتى تجرأت على أن أطلب من صديقي هناك السؤال عنها. لكني احترت: هل يدبر معها موعدا بعد كسب ثقتها أم يبلغها بهويتي ورغبتي مباشرة ويترك ذاكرتها تتشمس وتفرك يديها؟ وددت لو وقفت أمامها دون مقدمات، إذا تعرفت عليّ ستكون قد تعرفت على الطفل. هل تنظر باهتمام لوجوه الجثث التي تشرحها؟ طلبت من صديقي أيضا أن يدلني على طبيب أسنان مناسب، لا يصح أن ألقى ولاء بضرس عقل مسوس – فقد سبق أن رأت أسناني اللبنية. ألا يكفي أنني لم أتفوق عليها في المدرسة؟
(3)
أنظار النساء معلّقة بالفتارين. أنظار الرجال معلّقة بمؤخراتهن. حوَل معنوي؟ بالنسبة للذكور فأنا منهم وأعرف أن النظر للبزاز يحمل مخاطرة المرور بالأعين، لا أعرف تفسير أمر النساء. أفضّل على كل حال أن أرقى في حلقة تالية ليتعلق نظري بالنجوم بحثا عن كائنات تنقذنا.
(4)
مد لي عبد المنعم رياض يده في حركة استجداء، وهي حالة متأخرة كثيرا عن مجرد الاستسلام العسكري، متأثرا فيما بدا بجماعات شحاذي وسط البلد، الذين ستخلو لهم مساحة جيدة بعد نقل رمسيس الثاني عقابا له على عملاقيته وعدم تحوّله منذ 3200 سنة. على الناحية الأخرى من النيل (للسائر – فالراكب لا يرى شيئا) لن يصل نجيب محفوظ من سفنكس إلى أي مكان بخطوات قزم، لكن طه حسين سيطير أمام شيراتون الدقي كجرادة، وشوقي ممسك بزهرة خرج بها من الأورمان وجلس عاقد الساقين لينظُم.

حركات موحية للتماثيل، بينما حركة المارة الدائبة توحي بأن كل الخيوط ستفلت فجأة فيتجمدون كعرائس خيال الظل. ورغم كل شيء، في اتجاه مخالف لرشاشات الأمن المركزي المصوبة لساعة الجامعة، يربض أبو الهول تحت الفلاحة، يهم بـ...هل أقول النهوض أم النهضة؟

No comments:

Post a Comment