Sunday, December 19, 2010

وصلُ ما انقطع

بعد نشر علاء الدين لموضوعه المعنون “blogs, bloggers and blogging” في كوميونيتي تايمز، قال علاء أن موضوعه تشوه على يد المراجع (حذف شهادتين لمدونين وصور وأجزاء تعريفية ضرورية وتحريف اقتباس مني)، وأكدت لي قراءتي للموضوع ذلك، فهو أقل بكثير من قدرات علاء الصحفية واللغوية.
بعد ذلك بأيام قلائل تلقيت في بريدي الآلي رسالة ممن سمى نفسه إيهاب الزلاقي، حوت رسالته مديحا لا مزيد عليه لمدونتي (ليتني أستحقه) وتقييما من عين صحفي متخصص (يكتب في روزا بابا أسبوعيا عن إنترنت، شارك في إصدار الدستور الأول، عمل في العربي الناصري والفن السابع، رأس تحرير خالدة الذكر أونلاين والآن إكسبرينس ونشرت له ميريت كتابا عن 11 سبتمبر) تقييما للتدوين العربي. ثم ألقى إيهاب بمفاجأته عندما أخبرني بقرب صدور الدستور مجددا يوم 23 مارس (ها هي بين يدي الآن وفي شكل جديد مثير للاهتمام، ربما علقت عليه فيما بعد، يكفي معرفة أن اسم كل صفحة مثلا سطر من رباعية لصلاح جاهين!) وبها باب ثابت ينشر مقتطفات من المدونات (المصرية بالخصوص) كما هي.
قال الزلاقي:
الفكرة ببساطة هي أنني متابع بشكل ما لعملية التغير التي تتم عبر شبكة الإنترنت مع الإمكانيات اللانهائية التي تشي بها هذه الأداة، من حرية للتعبير، وسهولة في النشر، وغير ذلك [...] وكان من أحلامي في وقت ما هو إمكانية تبادل المنافع بين وسائط النشر المتعددة، واكتشاف الأصوات المصرية المعبرة بحق عن نبض الجيل والشارع وتفاصيل الحياة اليومية بداية من منتديات الحوار، ونهاية بالثورة الجديدة في عالم التعبير الشخصي (المدونات). وكان الأمر الذي يوقف دائما تنفيذ هذه الفكرة هو المكان الذي يستطيع تقبلها بصدر رحب دون المرور بتعقيدات و’كلاكيع‘ معتادة في عالم الصحافة بداية من رفض مستوى التحرر والانطلاق الذي يكتب به رواد الإنترنت، نهاية بعدم الاقتناع – أصلا – بجدوى الموضوع أو أهميته.

قلت:
رغم أن مدونتين على الأقل (بالإنجليزية ومن العراق) نشر محتواهما في كتابين، لا أزال متشككا في جدوى الاختلاط بين الوسائط بهذا الطريقة التي أشرت إليها. فمحتوى المدونات مثلا لا ينفصم عن وعائها التقني، فإذا انتقل للصحافة الورقية وصل منقوصا ومختلا بلا شك، ودعك من المشكلة الأبسط الخاصة بالانتقال من وسط حر لآخر رقابي. ربما لم يكن علينا أكثر من التنبيه لهذه الظاهرة وسَوق بعض النماذج في موضعه، لا متابعة دورية وخلاصات. إن ترجمة نص من لغة لأخرى يخوض خطورات محسوبة ومحدودة لأن الواسطة في النهاية واحدة – اللغة، أما ما تتحدث عنه فأشبه بأن يطرح مغن اسطوانة في شكل كتيب يحمل كلمات الأغاني والنوت الموسيقية لكل لحن (والمعذرة لأن كل تشبيه أعرج). فكر في حل غير نشر مختارات للمدونين، حتى لا تفقد طريقة التعبير خواصها وفعاليتها.
لكن إيهاب أقنعني عندما التقينا وجها لوجه بأهمية أن تصل أصواتنا للأرض والقراء التقليديين، نوع من التبشير أو الدعاية (لقارتنا الجديدة: سيبرنطيقا، وهذه من عندي!)، كما أن الموضوع الأول الذي سيتكفل بشرح ماهية المدونات للناس هو شهادتي التي نشرتها هنا بتحفيز من علاء.
هذا إذا العدد الأول من جريدة الدستور العائدة، وهذه أول صفحة في الصحافة العربية (وربما في العالم) تتخصص في متابعة المدونات. اليوم اطلع القراء على ستة موضوعات لستة مدونين (ليس من بينها موضوعي، واكتفى المحرر بتعريف مختصر للمدونات في الترويسة)؛ من لونولف: عن الصدف السعيدة، من حياة ديدو: تأملات طريق يومي، من أفريكانو: زحمة يا دنيا زحمة، من طي المتصل: حكايتان من بعيد، من إنسان قديم: التماسات لمجلس الشعب، من يا طالع النخلة: حوار حول الأخبار. لم أشأ أن أنبأكم بذلك مسبقا لأن الإصدار الثاني كان معرضا للمفاجآت حتى آخر لحظة.
اختاروا لاسم صفحة المدونات سطر "اللي ما يتكلمش يا كُتر همّه". بعث لي لونولف برسالة قصيرة قال فيها "إننا نصنع تاريخا يا أخي".

بابل

كان صعبا على نوسة أن تلتقط معظم الجمل الفرنسية في غناء رشيد طه بحدائق أوبرا القاهرة، مساء السبت الماضي، في جولة غنائية، كذلك كان أمرنا مع مثيلتها العربية. بعد الحفلة قال لي إيهاب أن رشيد "بيستهبل" وأنه يتحدث العربية بدليل نشأته في وهران كما أنه يغني بالعربية، أجبت بأنني نشأت في قرية نوبية وأغني بالفاديكية وأفهم الكثير منها لكني لا أستطيع التحدث بها.
الفرنسيون تركوا في الجزائر وغيرها الفرانكفونية ومعضلات ما-بعد-كولونيالية لا تحل، بو تفليقة علّق مرة في خطاب على مظاهرات تيزي أوزو بأن العربية هي لغة البلاد و"هذه إرادة الله". الجزائر "بلد البحر الكبير" و"فرسان الأساطير" التي صدحت فيها شيخات الراي ثم جلجل الشبان الذين قتل كبيرهم حَسني وهاجر الباقون، ورجال فسروا الآيتين 26 و27 من سورة نوح ("وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا") بأن ذبحوا الأجنة في الأرحام والعرسان في ليالي العرس، لأنهم خدعوا في انتخابات ديمقراطية (هم أشد أعدائها وأعداء من صوتوا لهم، تماما كالجيش الذي ألغى نتائج فوزهم).
أول ما سمعت من الراي كان ديدي، والتي آمننا ونحن في الإعدادية أن الشاب خالد يقول فيها لحبيبته كلاما بذيئا، بتأكيد الكبار. بعد ذلك بسنوات اقتحمت حياتنا الجامعية عبد القادر لخالد ورشيد وفاضل، بل غناها فوزي مغني تهجير النوبة الأول آنذاك في حفلات الزفاف، كما غنى أغلى من لؤلؤة بضة لعبد الكريم الكابلي التي تنعى سناء محيدلي، دون أن يعبأ هو أو مستمعوه بمعنى الأغنيتين وجو الثانية البكائي وصور الدم واستمروا في الابتهاج والرقص.
رقصنا بفوضى جنونية وصرخنا، قضينا الليلة السابقة معا بعد شهور انقطاع استمر رغم كل الهواتف الخلوية والبوسطة الآلية والمواصلات التي "لا مقطوعة ولا ممنوعة" واشتياقنا لبعض وعمل شيء معا خارج النص. أشعل رشيد سيجارة وغنى بلكنته وصوته الذي يتقزز منه جمهور الغناء العريض في مصر، ضحكت عندما رأيت وضع تمثال أم كلثوم كأنها تشاهد معنا وقد تجمدت من الاستغراب. تلك التي لا يحب رشيد موسيقاها الشرقية، كما قال لمجلة زوايا، ولم يأخذ منها وأخذ من دهمان الحراشي الذي لم يسمع به كل من يحفظ أسماء ألف نجم فيديو كليب على الأقل.
رقص لنا رشيد مؤخرته، قال البعض أن هذا يؤكد شائعات مثليته، في الغرب يعرون مؤخراتهم، جمهورا وفنانين، في الحفلات وخارجها كحق دستوري تعبيرا عن شيء سنفهم نحن منه فقط أن "واحد عايز يتـ***". مرة جلست بجواري فتاة كالفتاة في رسمة بلانتو، نصف مؤخرتها في العراء، وأمامها أخرى في نفس الميكروباص غطت وجهها، أعلامة ليبرالية أم فصام؟ ولماذا اعترض الطلاب على عُري الفضائيات الساقطة دون عُري السينما الراقية (باحب السيما، إسكندرية-نيويورك، باب الشمس) الأكثر بورنوجرافية؟ وكيف سيقبض بوليس الآداب على من يتبادلان القبلات في ركن منزو ويتركان من يفعلان ذلك على شاشة؟
عبد القادر التي ألهبتني بوترياتها وإيقاعاتها، على اسم الأمير الجزائري المناضل والحاكم الرشيد المنحدر من نسل الحسين، الذي جُندل في البلاد التي استهلت البابلية وسقط برجها الصاعد نحو الجنة، وها هي تبلبل من جديد تحت احتلال ذي رسالة ديمقراطية، يوحي كلام رشيد بأنها خدعة حتى في بلاد منشأها.
خارجا من الحفلة، رأيت التنين البمبي الذي أكّل البطريق الطعمية، لكني ترددت ولم ألق التحية، معرفة إنترنت أسلم وأقل بلبلة، مثل لغة الموسيقى التي تمكنت من الروك والراي والراب والسبانيش معا ووصلتنا كلنا معا. عدت مع سائق تاكسي قال لي أن أباه كان وفديا رغم عمله مجرد سائق نقل وعدم انتماءه للحزب، أما الآن "الناس ما عندهاش ملة"، فكّرت: تحرَّر له مخالفة إذا تحرك بدون بُنديرة (عدّاد) لكن لا مشكلة في أنها عطلانة.
أحسّن شروط عبوديتي بنجاح، وأنضم لفئة أعلى احتمالا في الإصابة بالسرطان باستخدام موبايل (مو-بابل). ليلة الخميس نطلق رسميا من ساقية الصاوي موقعنا البابلي، الذي تصل قواعد بياناته مادة عشوائية المسار غامضته. مثل رشيد طه "تعلّمْت نِمشي".

حيوانات

(1)
يحتاج المرء إجازة تفرغ كي يصوّر الحزن في عيني كلب ضال يستطيع إذا تطور جهازه الصوتي أن يحسم لنا قضية وجود الله، فأنا لست إلا أعزب يستيقظ مبكرا على زقزقة عصفورين لا يحتاجان من أجل الجنس أكثر من حبل غسيل؛ يحطُّ فوقها لثوان محافظا على توازنه بخفق الجناحين ويهبط ليستقر ثوان أخرى على المنشر ويوالي، إذا لم تطردهما اليد التي تمتد لجمع ملابس بللتها الوحدة. دوّن هذه الملاحظة في خلية من مخه – المتضخم اليائس المغرور ككل أمخاخ سلالته التي تسيطر وتختزل عواطف السلالات الأخرى، رغم أن الكلب عمه في شجرة دارون، رغم أن الكلب ليس حزينا، لم يصور لك هذا إلا خيالك المريض، أنت فقط الحزين لأن شخصا جميلا مثل خاء سيموت دون أن يجد وقتا ليحسم قضية وجود الله.
(2)
تحت شمس وقمر حديثي الوجود في عالم بكر، جاءت تلك الطفلة إلى بلدتنا وأمسكت يدي فاحتضنت كتفها العاري ومشينا ولعبنا وقالت لأمي "يا تانت" ووعدتني جدتها بتزويجنا إذا تفوقت عليها في المدرسة. وعندما تفتح المدرسة تذهب هي، وتعود في الصيف من جديد. انتظرتها دائما كزهرة خلف السور تنتظر فراشة، وكنت أتحول في وجودها لفراشة وتطير معي، فقط معي. وربما قبل أن تختفي كان شيء ما قد تكوّن بيننا، ففي الصف الخامس الابتدائي تتحول الفراشة لبنت شعرها ملفوف على بكر ولشفتيها مذاق الفاكهة الدانية. ذات عام وصلتني عنها أخبار غير سارة (انتحرت أمها) ونسيت الموضوع فقد كنت أنا قد تحولت لدودة.
مؤخرا عرفت، وأنا أرفع أنقاض طفولتي، أنها في طب القاهرة. مر وقت طويل حتى تجرأت على أن أطلب من صديقي هناك السؤال عنها. لكني احترت: هل يدبر معها موعدا بعد كسب ثقتها أم يبلغها بهويتي ورغبتي مباشرة ويترك ذاكرتها تتشمس وتفرك يديها؟ وددت لو وقفت أمامها دون مقدمات، إذا تعرفت عليّ ستكون قد تعرفت على الطفل. هل تنظر باهتمام لوجوه الجثث التي تشرحها؟ طلبت من صديقي أيضا أن يدلني على طبيب أسنان مناسب، لا يصح أن ألقى ولاء بضرس عقل مسوس – فقد سبق أن رأت أسناني اللبنية. ألا يكفي أنني لم أتفوق عليها في المدرسة؟
(3)
أنظار النساء معلّقة بالفتارين. أنظار الرجال معلّقة بمؤخراتهن. حوَل معنوي؟ بالنسبة للذكور فأنا منهم وأعرف أن النظر للبزاز يحمل مخاطرة المرور بالأعين، لا أعرف تفسير أمر النساء. أفضّل على كل حال أن أرقى في حلقة تالية ليتعلق نظري بالنجوم بحثا عن كائنات تنقذنا.
(4)
مد لي عبد المنعم رياض يده في حركة استجداء، وهي حالة متأخرة كثيرا عن مجرد الاستسلام العسكري، متأثرا فيما بدا بجماعات شحاذي وسط البلد، الذين ستخلو لهم مساحة جيدة بعد نقل رمسيس الثاني عقابا له على عملاقيته وعدم تحوّله منذ 3200 سنة. على الناحية الأخرى من النيل (للسائر – فالراكب لا يرى شيئا) لن يصل نجيب محفوظ من سفنكس إلى أي مكان بخطوات قزم، لكن طه حسين سيطير أمام شيراتون الدقي كجرادة، وشوقي ممسك بزهرة خرج بها من الأورمان وجلس عاقد الساقين لينظُم.

حركات موحية للتماثيل، بينما حركة المارة الدائبة توحي بأن كل الخيوط ستفلت فجأة فيتجمدون كعرائس خيال الظل. ورغم كل شيء، في اتجاه مخالف لرشاشات الأمن المركزي المصوبة لساعة الجامعة، يربض أبو الهول تحت الفلاحة، يهم بـ...هل أقول النهوض أم النهضة؟

يوم

*
عندما اشتد المطر، بدأت أفكر في الغسيل الذي نشرته.
*
زادت قدرتي على الغياب طويلا عن أحبائي، لا، ليس كل الأحباء.
*
أمر جميل أن تُفرج، بعد جفاف كبير، الغريب أن تفرح لأنك ستسدد ديونك في المقام الأول.
*
أحب الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن أصمت طويلا، إصغاء واستنارة.
*
صعد السلم الكهربائي للمترو بشاب من سني، نحيف يميل للأمام كالمنحني، قلت له من السلم النازل: "إزيك يا اَحمد؟" رد تحيتي بشك، قلت وأنا أبتعد: "إنت ما تعرفنيش، بس اَنا باحبك"، ببهجة، ابتسم أحمد أمين حداد.
*
صرت أغسل يديّ بالصابون كثيرا.
*
ستطير أمي من الفرح عندما تصلها نسخة من الكتاب وعلى غلافه اسمي، مع إهداء بخط يدي، فقط، في الداخل يذكر اسمها.

نظرية التطوّر

فتحت قرطاس الزلابية
طلع لي حسني مبارك باشا
قال لي: أحسن م البغاشة
رديت بالألفاظ النابية
واعدت بنوتة ف جنينة
طلع لي حسني مبارك اَفندي
قال لي: دقت اليوستفندي؟
وطلع لي شايب ف الكوتشينة
فتحت آلتي ف يوم الفيزيا
طلع لي حسني مبارك زفت
قال لي: دوس الأول shift
ويوم نجاحي طلع م الغازْية
ولما نورتون قفش لي فيرَس
لقيته حسني مبارك برضو
وجدي كان يفلح ف أرضه
وحسني يعمل دودة بلهارْس!

بقوة الحب

وأنا أعد نشرة جديدة بعنوان "مخاوف المستقبل"، أدركت أن هذا لا يجوز في يوم فالنتاين. حفظت مسوّدة الموضوع وابتسمت لرقة ما أنا مقدم عليه بدلا من ذلك: كلام عن الحب.
في مثل هذا اليوم من العام الماضي لم أكن أملك من أجل القديس فالنتاين سوى فراغي العاطفي، ونسخة محدثة من أفكاري النظرية، كونتها نقاشاتي الدائمة مع نفسي ورفاقي الذين يعانون نفس أزمتي بأشكال ودرجات متباينة، وبحثي هنا وهناك عما يراه الآخرون واقترابي من حافة التجربة أحيانا (لم أقم أي علاقة منذ قصص حب المراهقة التي تضحكني الآن، وربما يضحكن هن أيضا في مكان ما). هذا العام أشهد مهرجان سِيدي فالنتاين بحزمة package كاملة وسترون.
المشاكل كانت بالكوم، المشكلة الأنيل كانت في دماغي؛ عندي قناعات مثالية لبدت كالقراد (بضم القاف) في جلدي وأنا ألهث كالكلب العطشان:
  • الدعارة جريمة، وزبونها شريك فيها، وليس بالضرورة أن تأخذ شكلها السافر، فالزواج السائد في مجتمعاتنا مؤسسة دعارة إن لم يكن أسوأ.
  • المرافقة حل مشروع طالما أن الطرفين يفعلان ما لا يخجلان منه، بل يستمتعان به دون خداع (والآن مع الشروط: جيرل فرند لا تفكر في نفسها كشرموطة – عش لا يطير إليه أقاربك – جيران في حالهم).
  • الزواج (إن وجد المال) من شريكة مناسبة بلا حب، مجرد تحايل للحصول على هدف معين بطريقة شرعية، سرعان ما سينكشف عن خازوق متين (بغض النظر حتى عن عيال يطلعون لك مثل الـpopups بمجرد فتح النافذة الأم، مع فارق أن العيل ليس به زرّ close وموانع الحمل ليست حاسمة كبرامج popups locker) فالمرافقة أوفر وأجمل.
  • الجنس الطيّاري casual sex غير آمن!، وبفرض النجاة فهو الجحيم بالنسبة لشخص وسواس.
  • الحب من أول نظرة خرافة تلخص كل التصورات الكلاسيكية المريضة عن الحب، وفتاة الأحلام التي هي إما مجموعة تضاريس مميزة تخفي وراءها نفس العقل الذي تصفر فيه الرياح، أو نتيجة بحث بنظام check boxes (على رأي واحد زبون خبط ألف مرة في ’حيطة سد‘ تحمل رسالة no results found, refine your search).
  • الحب بعد تعارف حقيقي وصداقة، ودون وضع الزواج كصيغة إجبارية، مع اقتناع الطرفين الكامل بالتجربة، كان ما أبحث عنه.
حدوتتي مع هند، من 4 شهور ونصف فقط، ليست ملكي وحدي وإلا لأدليت بكل أقوالي (نفسي مفتوحة هذه الأيام للشهادات، وهو من علامات دنوّ الأجل)، الخلاصة: الحب ظاهرة غريبة وملتبسة على مستوى تشكلها النفسي، وصعبة كعلاقة اجتماعية مكتسبة، وهو ما كان يخيفني من قبل ومن بعد (ضع مجتمعنا المعقد ابن المعقدة في الخلفية لو سمحت). لكن هند وأنا استطعنا أن نراه بسيطا وجميلا ومحرّكا وعميقا وله معنى، بفضل استعدادنا لتطوير أفكارنا، وتفاهمنا، وحرصنا على الفرحة والصدق، ومناقشتنا لكل ما ورد في كتاب في الحب والحب العذري للدكتور صادق جلال العظم، البحث الموجز المجتهد القائم على 15 مرجعا عربيا و11 أجنبيا في الأدب والاجتماع والأخلاق وعلم النفس والدين والسير.
يقع مؤلف العظم في ثلاثة فصول، تمر في عجالة على مشاكل العلاقة بين الذكر والأنثى، مع اهتمام بالثقافة العربية، ثم يمضي لمبحثه الأساسي إذ يضع يده على ’مفارقة‘ من داخل فكرة الحب نفسها، ويفند حقيقة ’العذرية‘ في التراث العربي. "مفارقة الحب الكبرى" كما يسميها العظم، تكمن في قيام وجوده الأمثل على عاملين متنافرين: الاشتداد والامتداد. الولع والغرام والهيام بالمحبوب يدعمها البعد والعذل وشتى التعقيدات، فإن نجح الحبيبان في الخلاص من عذابهما باللقاء تهددت حرارة الحب وابتذل المحبوبَ قربُه ووجوده على الدوام. وهنا يميز العظم نمطين من العشاق يفسر سلوكهما بأنه محاولات لحل تلك المفارقة: (1) الدنجوان، يحقق الاشتداد بعلاقات خاطفة، والامتداد بتواصل هذه العلاقات، (2) العذري، الذي يختار العذرية فيتلذذ بالعكوسات وكيد العواذل والتحنيس ليظل حبه نارا متأججة دون الماء.
تفاصيل الكتاب دقيقة وربطها ذكي وسلس ومتعدد المستويات. أما ما وصلت له من قراءتي فهو أن ثمة خيطا مفسدا في الموروث العاطفي وهو ’نزعة الخلود‘. حتى الطلاق يُنظر له عادة كفشل وليس مثلا نهاية طبيعية لتجربة إنسانية، والمرء يغير عقيدته ومذهبه ووطنه ووظيفته بل شخصيته نفسها! مزاجنا واحتياجاتنا ونظرتنا وقدراتنا تتغير باستمرار، ومن نحبهم أيضا معرضون لكل ذلك، فهذه علاقة مختلفة جوهريا عن علاقات الدم والعلاقات المتعددة بطبيعتها كالصداقة. ليستمر الحب بين اثنين عمرا كاملا، ولكن ليس بقوة العادة، بل بقوة الحب.
يكذبون عندما يحاولون إقناع المحافظين والمتدينين عندنا بأن الفالنتاين عيد لكل حب: تجاه الأصدقاء والأزواج والآباء والأوطان...! والغرب محدد طبعا في كل شيء (مش كله عندهم صابون). ثم لم هذا الدفاع أصلا؟ أحتار عندما أفكر في المصريين؛ كيف قتلوا الحب غناء وأفلاما وفيديو كليبات، بينما يعاملون الحب والمحبين في الواقع بكل الريبة والازدراء! ونجد من يفرقون بين قلة الأدب والحب المحترم، الذي تقع حدوده شرقا عند الأنامل (بلمسة عفوية) وشمالا عند القورة (بقبلة رمزية). حتى الغرب عرف قديما البيوريتانية التي رأت أن ممارسة الزوجين للجنس بغرض غير الإنجاب هو زنا! هناك مشكلة تاريخية واضحة لا يمكن تجاهلها بين الحب والدين، ربما استثنينا ديانات شرق آسيا، التي هي أقرب للفلسفات، فتمتلئ كتب مثل الكاما سوترا بالنصح للمحبين وبتقديس العدد الزوجي.
رغم ذلك، ففي الرواية الأكثر شيوعا أن فالنتاين كان كاهنا مسيحيا في روما القرن الثالث الميلادي، عندما ظن الإمبراطور كلاوديوس الثاني أن الجندي الأعزب خيرٌ من الجندي الذي يعول زوجة وأسرة، فحرم الزواج على الشباب. تحدى فالنتاين تشريعه وأخذ يوثق عقود الزواج سرا (يقول البعض أنه رعى المحبين دون تزويجهم حتى). وفي العصور الوسطى زادت شعبية فالنتاين، الذي تصوره روايات أخرى عاشقا هو نفسه، في فرنسا وإنجلترا، ويبدو أنه واحد من القديسين الذين تعترف بهم الكنيسة الكاثوليكية باسم فالنتاين (أو فالنتاينوس). أعدم فالنتاين حسب معظم الروايات فصار شهيدا.
14 فبراير، الذي يرجعه البعض لعيد روماني في تاريخ مماثل والبعض لتاريخ إعدام القديس الذي سمي باسمه، ما معناه؟ نجحت الرأسمالية في اعتماده مهرجانا استهلاكيا عالميا وروجته كطقس من سنن الحب (في طريقي لسكني أمس، نصب صوان ضخم اصطف فيه المعزون المستمعون في ورع للمقرئ، الذي ما أن انتهى من ربع الحزب حتى خرج من الميكروفون صوت استغل الفاصل ليذكر اسم محل الفِراشة وعنوانه واستعداده لجميع المناسبات. تأبين موتانا فرصة للإعلان!).
لكن قصة القديس توحي لنا بمعنى يمكن إحياؤه؛ بأن نقف في وجه من يخنقون الحب والحياة، تماما كما نحتفل بيوم الأرض بالاحتجاج على أعداء البيئة وتقديم التوصيات من أجل حمايتها. وأزعم أن سببا أساسيا في تداعي مجتمعنا هو انتشار العزوبية والعنوسة للدرجة التي جعلت ميلاد حنا في أجواء أزمة وفاء قسطنطين الأخيرة يتساءل بمرارة: "هل هناك بلد محترم يمارس شبابه فوق العشرين العادة السرية؟!" الفالنتاين ليس موسما للتلاقح، ولكل حبيبين ذكرياتهما وأيامهما التي تمثل لهما مناسبة للابتهاج أو الاحتفال أو تطارح الغرام (الذي لا يحتاج مناسبة)، وستظل هناك دائما شوكولاتة وزهور وبطاقات وفساق لإلقاء عملات وتمني أمنية وبرامج إهداء أغان ورنات ورسائل موبايل جديدة، إذا كان لابد من كل هذه الأوبشنز.
على سيرة الزهور، أود تسجيل قرفي الشديد من كل باقات الورد في العالم (ومعها بالمرة كل أقفاص الطيور وحدائق الحيوان). يا لها من نكتة سمجة أن تقدم لحبيبتك بضع ’جثث‘ تعبيرا عن مشاعرك الرقيقة. وبينما يكتفي صلاح جاهين بجذب انتباهنا، لبديل آخر، دون إدانة للأول:
ورد ف ورق سلوفان يا حلوة اهديلك؟
ولا انقله بالطين ف شتلة واجيلك؟
الأولاني لو وحا بحناني
عجبي على التاني بإيه يوحيلك؟
عجبي!!
يصور أمل دنقل الأمر كمذبحة، مدينا وساخرا، بشكل غير مباشر، من كل من حملوا له تلك الباقات وهو راقد في الغرفة 8 بمعهد الأورام:
تتحدث لي الزهراتُ الجميلةُ
أن أعينها اتسعت – دهْشة –
لحظة القطفِ،
لحظة القصفِ،
لحظة إعدامها في الخميلة!
تتحدث لي..
أنها سقطت من على عرشها في البساتين
ثم أفاقت على عرضها في زجاج الدكاكين،
أو بين أيدي المنادين،
حتى اشترتها اليدُ المتفضلةُ العابرة
تتحدث لي..
كيف جاءت إليّ..
(وأحزانها الملكيةُ ترفع أعناقها الخضر)
كي تتمنى لي العمر!
وهي تجود بأنفاسها الآخرة!!
كل باقة
بين إغماءة وإفاقة
تتنفس مثلي – بالكاد – ثانية ثانية
وعلى صدرها حملت، راضية
اسم قاتلها في بطاقة!
من ناحية أخرى، ما سر كون الوردة الحمراء بالذات ’علامة‘ على الحب؟ أرجو لمن لديه تفسير أو وجد إجابة في دراسات علم الرموز semiotics أن يشرح لنا. هل لأن لونها يستدعي الدم، أي الحياة؟ هل لأن الورد الأحمر يتفتح مثلا في الربيع بما يرمز له من تجدد وخير الطبيعة، بعد شتاء أوروبي قاس؟
ربما إذا تأملنا الجنون الذي يجتاح هذا العالم، المتطرف في كل اتجاه، المحكوم بقوة العسكر والمليارديرات، أملنا في إمكان ترويضه وتهدئة روعه وكبح شروره، بقوة الحب.
دخل الشتا وقفل البيبان ع البيوت
وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت
وحاجات كتير بتموت ف ليل الشتا
لكن حاجات أكتر بترفض تموت!
عجبي!!

لماذا أنا مدوّن؟ (شهادة)

طلب مني علاء الدين محمود، المترجم والصحفي الشاب في عدة دوريات قاهرية بالإنجليزية، أن أكتب له عن تجربتي (القصيرة جدا على أي حال) كمدوّن مصري. مقالة كهذه في نيتي من مدة ولكن شكرا له على إعطائي الحافز لكتابتها. في رسالته، وجّه ثمانية أسئلة محددة، ربما خرجت عنها قليلا لدواعي السياق.

ولجت إنترنت لأول مرة عام 2001، لكني لم أصبح مدمنا لها قبل اكتشافي لغرف الدردشة ومواقع البورنو، وقد أقلعت عن كليهما ولله الحمد. ولم تتوفر في مكتبة الكلية أي مراجع وثيقة بموضوع ورقة تخرجي، وعنوانها نضج القَصَص الأفرو-أمريكي، فاستخدمت محرك بحث (لأول مرة) لأعثر على مقال تاريخي تحليلي ما اعتبرته وقتها معجزة. في عام 2003 فقط عرفت طريقي إلى المنتديات، واحد منها هو الذي عرّفني بمن أصبحوا أصدقائي الحميمين على الشبكة وخارجها، ومعهم أصبحت الدردشة بالنسبة لي قاصرة على من أعرفهم فعليا وأضيفهم للمراسل الفوري messenger. لا أقيم أو أتكلم بتفصيل عن الدردشة والمنتديات وكافة المحطات الأخرى لتجربتي مع إنترنت.
أحد أصدقاء المنتدى هؤلاء أخبرني يوما، وبطريقة لا تثير الاهتمام، أنه يكتب ما أسماه "مذكراته" على موقع مخصص لذلك (عرفه بدوره من محرك بحث أوصله لبلوج مصري). أرسل لي عنوان صفحته، قرأت ما كتب فيها لكنها لم تقدني إلى صفحات مماثلة، وكذلك الأمر مع الصفحة الرئيسية للموقع blogger.com الذي لم يوفر فيما بدا لي إمكانية بحث. في وقت آخر تبينت زرّ next blog على شريط navabar أعلى صفحة صديقي ويستعرض بلوج تلو آخر مما أعطاني انطباعا قويا بالتنوع في المحتوى والتصميم. ولم يكن من الصعب، من باب الفضول، الحصول على صفحة مماثلة.
اختر عنوان الصفحة أو اسم النطاق الفرعي (أي ما سيظهر يسار blogspot.com) واسم تسجيل الدخول وكلمة المرور واسم الظهور واسم الصفحة واملأ بياناتك (إن شئت)، وستستلم لوحة تحكم dashboard في كل هذا و – مقابل كل بلوج تنشئه – أدوات للتحرير والتصميم وإدارة الصفحة تقنيا. أول نشرة post ترسلها تطلق صفحتك على إنترنت. تستطيع الحصول على أي عدد من البلوجات، كما يمكن لأكثر من شخص المساهمة في بلوج واحد. البلوج باختصار سجل نشرات مؤرخة تحتمل النصوص والصور والروابط والتعليقات، مرتبة ترتيبا زمنيا متراجعا، مع قائمة جانبية بروابط أحدث النشرات وأرشيف لها، والروابط التي يضيفها المبلوج.
أمضيت وقتا ألهو (مثل طفل يكتشف لعبة من الداخل) بالإمكانيات والاحتمالات التي يوفرها الموقع والقالب template الجاهز القابل للتعديل. جربت تغيير الألوان والمواضع..إلخ، لم تكن لي أي خبرة تذكر بلغة HTML أو أي تكويد آخر. أنا ممن يسجلون خواطرهم ويومياتهم على الورق ولا يطلع عليها غيري، لكني اعتقدت أنني أمام شيء مختلف، وحتى الخواطر واليوميات منها ما يقبل البوح. هكذا استهللت بنقل يومية من الورق لبلوجي.
في الواقع كانت ثمة طريقة بحثية للوصول إلى بلوجات ومبلوجين آخرين؛ بالضغط على وصلات البلد والوظيفة والاهتمامات..إلخ (في ملف البيانات profile) ثم باستخدام شريط العنوان (كنوع من التحايل!) لأتسمر ليال متواصلة أمام مئات الصفحات التي تفتح كل منها عالما مدهشا لإنسان: مراهقة مريضة مكتئبة، عدّاء يلتقط أنفاسه، زوجة مخلصة تراودها لطشات داعرة، طالب طب قبطي مغترب فصيح بليغ، أخوين قاهريين رحّالين حصّلا ثقافة كلاسيكية راقية ومعرفة أصيلة بالمعلوماتية وتقنياتها، رجل ناقم على عبوديته كمواطن غربي مستخدما لغة متقعرة بشكل ساخر، كويتي ’مبقوق‘ من الكويت والإسلام والمسلمين، وطبعا الأمثلة تتحدى الحصر. لدى بعض البلوجات المصرية والعربية وجدت قوائم طويلة أعدوها وحدثوها وصنفوها بوصلات كل من انضموا لعالم البلوَجة (من العرب خاصة) ولو بمجرد نشرة البداية.
لاحظ زوار صفحتي مبكرا أنني نوبي، وطلبوا أن أرضي فضولهم لمعرفة ذلك الجزء المجهول من الوطن، لكني تعمدت ألا ألبي ذلك (إلى حين) فأنا هنا لا أمثل سوى نفسي، ولا أقدم شيئا يتوقعه زائري مسبقا. أيضا فللآن لم أضف لقائمتي الجانبية الشارة الترويجية الرابط لحلقة المدونات المصرية؛ خشيت أن ننساق على إنترنت أيضا في نفس الانتماءات التي لم نخترها على الأرض، ثم يقسمنا هذا من جديد إلى تكتلات منحازة (راجع تصويتات بابا) وهو ما يفترض بإنترنت إيجاد بديل له.
مما أبهجني كثيرا من بعض المبلوجين (هذه آخر مرة أستخدم فيها هذا التعريب هنا) حرصهم على ونجاحهم في أن تتحدث صفحاتهم العربية، ليس في أسمائها ونشراتها فقط بل في رؤوس القوائم الجانبية ووصلات التصفح ورطانة الكمبيوتر وإنترنت، والأهم: ترجمة هذه اللفظة الغريبة التي يفعلون ما يفعلون تحت لافتتها، لتصبح blog مدوّنة وblogging تدوين وblogger مدوِّنـ (ـة). وجدت اقتراحات أخرى (سجل شبكي، مكتوب، بلوج...) لكن الفعل "دوّن" ومشتقاته حاز إعجابا وتأييدا واصطلح عليه على نطاق واسع، وهو الأكثر توفيقا في تقديري.
نحتت blog من الكلمتين web log، ورغم أن كلمة مدونة لا تعطي نفس الدلالة المرتبطة بالشبكة، فإن هذا لا يمنع أن تصبح عَلَما على هذا الشيء، وطالما أننا الناطقون بالعربية لا نستخدمها تقريبا إلا كمصدر (تدوين) بل ومعرّفا في الغالب (التدوين) بما يعني عملية التسجيل بالصور والأبجدية والرموز الصوتية التي بدأ بها التاريخ. إن وجود هذه الدلالة الأخرى نفسها ليس مظهرا لـ ’آفة الترادف‘ (كما يسميها اللغوي بيومي قنديل – ويعني بها: استخدام اسم واحد للدلالة على مسميات مختلفة بشكل مربك)، بل هو استدعاء في محله لوصف عملية تاريخية كبرى مشابهة، لأن ما نفعله هنا ليس إلا تسجيلا بالكلمة والصورة والرابط والوسائط المتعددة..إلخ، فيما يسمى بالنص الفائق hypertext، على بعد ستة آلاف عام تقريبا من الألواح الطينية السومرية.
هنا أرضي شهوتي للكتابة (في الأساس)، أو التفكير والتأمل والتنفيس بالكلمات. إشراك الآخرين في ذلك من أنبل ما تقدمه لنا إنترنت، فأنا وزواري نتبادل الزيارة والإلهام والقراءة والخبرة، وهكذا تتحقق بشكل عبقري أغلب مميزات الدردشة والمنتديات (وأهمها اتصال وعلاقات تتجاوز العوامل المادية المشوشرة: المظهر، الجنس، الطبقة، العمر، الثقافة..إلخ) وتختفي عيوبها (كالطبيعة الزائلة بتعبير ألف، وتحكم الرقباء وتسلط موضوعات وعقليات بعينها، وإزعاج الزملاء، وطغيان الزينة الاستهلاكية، والنمطية على حساب جماليات صفحة الويب) وأيضا تحل المعادلة الأصعب: بروز الفرد كصوت وقيمة + التفاعل والاشتراك المفتوح في صياغة مضمون ونشاط.
مؤخرا رفضت إحدى مجموعات ياهو البريدية (المغلقة على أعضائها) مقالة لي بحجة تلميحاتها السياسية بينما الموقع ثقافي! كما أنني فشلت طيلة سنوات في أن أجعل شعري يغنى لأن الغناء عاطفي! هذا الاستقلال الذي أنعم به الآن جعلني أفكر في استخدام عنوان كتاب فرجينيا وولف (النسوي) اسما لمدونتي: غرفة تخص المرءَ وحدَه.
سألني علاء الدين (الذي يعتقد أنني صممت مدوّنة رائعة!) كيف أجعل صفحتي فريدة و’دماغ مع نفسها‘ (استخدم كلمة idiosyncratic) وسيفاجئ إذا علم أنني لم أبدع شيئا ولا أملك المهارات والمعرفة اللازمة للتصميم ولا البرمجة! لمجرد أن أميز صفحتي اخترت أبسط القوالب الثلاثة وثلاثين المتاحة على Blogger، ثم غيرت الألوان والخطوط والأبناط..إلخ، ولأن صفحتي عربية كما قررت منذ البداية (ربما أنشئ واحدة إنجليزية مستقبلا) ضبطت خواص المحاذاة وأوضاع تقسيمات الصفحة والعناوين وأسماء الروابط (بقدر المستطاع) بحيث تبدو مدونتي أكثر اتساقا وذات شخصية ما قريبة من مزاجي. كل هذا تطلب إلماما بمبادئ بسيطة لـHTML، والذي كان تعلمه في خطتي إلا أن التدوين جعلني بالفعل أخزن عدة مصادر شارحة، كما سأعكف قريبا على كتاب جامع، ولن يكون هذا آخر مطافي مع أدوات وحيل هذا الساحر الذي دخلت خيمته متأخرا بعض الشيء.
هذا اليسر الشديد هو ما يجعل المدونة اختراعا بالمعنى، لا مجرد تنويعة على فكرة الموقع الشخصي. فالأخير لن يمتلكه سوى من يدفع أو يعرف أسرار صنعه (أو كليهما). إن Blogger حتى لا يقذف في وجهك كل تلك الـpopups ليذكرك بأنك لا تدفع فمن حقه أن يستخدمك كإعلان! من يعرف تحريك الفأرة وبضع كلمات إنجليزية والضغط على مفاتيح الحروف يمكنه إنشاء مدونة. يدعو يحيى مجاهد نفسه شخصا ’غير رقمي‘ ويعجز حتى عن ضبط المحاذاة، لكننا نقرأه ونعقب على نشراته ونضع رابط مدونته عندنا، لقد كتب نفسه وهذا جوهر الأمر، ليس مطلوبا منه إبهارنا بلغة أصعب من لغة الكلام. وفي المسابقة الأخيرة للمدونات العربية فاز البعض من أمثال مجاهد!
ولن يقودك الموقع الشخصي لغيره بهذه الكيفية التي تتكون بها (على Blogger مثلا) ’عناقيد‘ من المدونات ذات التداخل والاستقلال معا في عشوائية محكمة! لكن السؤال/الهاجس الذي لا أملك إجابته: ماذا تستفيد مواقع المدونات؟ هل كانت المجانية بالنسبة لمالكيها مرحلة ككل تجارة لخدمة شبيهة؟ أم لاحظوا أن المجانية سمة يضيع بضياعها معنى ابتكارهم؟ هل المادة/المحتوى هو ما يكسبون، كالمنظمات غير الحكومية التي تمول مراكز الثقافات الشعبية دون مقابل مادي (فورد مثلا)؟ ألا يخسرون بمنح هذه المساحات كهبات؟ أم أن شراكاتهم مع أصحاب برامج رفع الصور والصوتيات هي الجانب التجاري في القصة؟
على العموم، وتلك ميزة أخرى عن غرف الدردشة والمنتديات، لا أظن مواقع التدوين ستتعرض للإغراق، إن جاز التعبير. فمن ليس لديه ما يقوله أو يقدمه (وباستمرار) لن يبقى طويلا وسيرحل من تلقاء نفسه، ولأسباب جلية للناظرين.
في 2004 اختارت التايم مدونة صهيونية للقب blog of the year، ولكن هيهات أن تنجح هذه التعمية والإصرار على استيطان كل أفق جديد. كان سلام باكس هو صاحب أول إشارة من مجرة المدونين تصل إلى كوكب الأرض، بتقاريره الشخصية الطازجة النابضة من قلب عاصمة يلفها الغبار المتصاعد من حرب إسقاط صدام حسين (نشرت يومياته تلك في كتاب الآن). ثم قام مدوّنو أرخبيل الملايو بإحراج عمالقة وسائل الإعلام التقليدية بتقاريرهم وصورهم المتلاحقة بمجرد أن استيقظ وحش تسونامي. ناعوم تشومسكي نفسه أحد المدوّنين!
رغم عملي منذ عامين ونصف في مجال إنترنت عرفت المدونات بالصدفة وخارج نطاق العمل! وكان عمر الذي عرفته بها يعمل مثلي ولنفس الزمن تقريبا (لأكتشف على مدونته الآن فقط كم يكتب شعرا حلوا لم أطلع عليه أبدا خلال صداقتنا!) ومنذ يومين بينما أدردش مع صديق سوري مقيم بالبرازيل، قارئ ورجل أعمال برمجية ومنشئ مواقع ومشرف منتديات، أبدى جهله التام بالموضوع! غاب مع العناوين التي أرسلتها له 5 دقائق فقط ليعود ويسألني: "حمكشة، كيف يمكنني الحصول على بلوغ؟!" يبدو أن الظاهرة لا تزال وليدة وغامضة حتى بين أهل إنترنت.
ومن كل ما سبق أشكك قليلا في النتيجة التي أظن ألف خلص إليها، وهي نخبوية المدوّنات (على مستوى الفكر والتعبير)، فلن يهاجر إليها أفضل عناصر المنتديات فقط، كما يقول، بل كل من يحتاج نفسيا وعقليا لهذه البيئة، وحتى السخفاء وعديمو المواهب لديهم ذكريات وألبوم صور شخصية. بل وأظن أنه سيرتقي بفكر وإنتاج هؤلاء.
أغفلت نقاطا كثيرة مثل مشاكلنا كمدوّنين (متابعة تحديثات الآخرين بشكل عملي، حقوق الملكية الفكرية...) وهل نفضل إخفاء هوياتنا الحقيقية (عن نفسي أفضل ذلك إلا بشكل فردي وليس على الملأ) وإدمان التدوين والرفت بسبب التدوين doocing والعدادات ودفاتر الزوار والمحسنات المختلفة وما هو تفسير إطلاق بعض المدونات على مواقع شخصية ونطاقات مستقلة، وغير ذلك مما أدعوكم للإشارة إليه في شهاداتكم عن تجاربكم، ولحسن الحظ أننا في شهر التدوين العربي (وليس ذي الحجة كما يشيع البعض!). هذه هي النقاط المطلوبة:
  • ظهور وتطور كلمة blog ومرادفاتها العربية وماذا تعني لك.
  • كيف عرفت عن التدوين؟
  • ما الذي دعاك لإنشاء مدونتك؟
  • تعليقك على الخطوات المستخدمة، هنا أو في أي موقع آخر، لعمل مدونة.
  • كيف تجعل مدونتك ذات طابع خاص؟
  • رشح مدوّنات مصرية كنماذج (وغير المصرية طبعا بغض النظر عن مهمة صديقي المحدودة).
  • هل يتطلب التدوين مهارات فنية معينة؟
  • ماذا أضاف التدوين لحياتك؟
  • أي ملاحظات أخرى.
اذكروا إذا أردتم عناوين مدوناتكم وأسماءكم الحقيقية ومعلومات عنكم، لمصر لا لعلاء الدين!