Sunday, December 19, 2010

بابل

كان صعبا على نوسة أن تلتقط معظم الجمل الفرنسية في غناء رشيد طه بحدائق أوبرا القاهرة، مساء السبت الماضي، في جولة غنائية، كذلك كان أمرنا مع مثيلتها العربية. بعد الحفلة قال لي إيهاب أن رشيد "بيستهبل" وأنه يتحدث العربية بدليل نشأته في وهران كما أنه يغني بالعربية، أجبت بأنني نشأت في قرية نوبية وأغني بالفاديكية وأفهم الكثير منها لكني لا أستطيع التحدث بها.
الفرنسيون تركوا في الجزائر وغيرها الفرانكفونية ومعضلات ما-بعد-كولونيالية لا تحل، بو تفليقة علّق مرة في خطاب على مظاهرات تيزي أوزو بأن العربية هي لغة البلاد و"هذه إرادة الله". الجزائر "بلد البحر الكبير" و"فرسان الأساطير" التي صدحت فيها شيخات الراي ثم جلجل الشبان الذين قتل كبيرهم حَسني وهاجر الباقون، ورجال فسروا الآيتين 26 و27 من سورة نوح ("وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا") بأن ذبحوا الأجنة في الأرحام والعرسان في ليالي العرس، لأنهم خدعوا في انتخابات ديمقراطية (هم أشد أعدائها وأعداء من صوتوا لهم، تماما كالجيش الذي ألغى نتائج فوزهم).
أول ما سمعت من الراي كان ديدي، والتي آمننا ونحن في الإعدادية أن الشاب خالد يقول فيها لحبيبته كلاما بذيئا، بتأكيد الكبار. بعد ذلك بسنوات اقتحمت حياتنا الجامعية عبد القادر لخالد ورشيد وفاضل، بل غناها فوزي مغني تهجير النوبة الأول آنذاك في حفلات الزفاف، كما غنى أغلى من لؤلؤة بضة لعبد الكريم الكابلي التي تنعى سناء محيدلي، دون أن يعبأ هو أو مستمعوه بمعنى الأغنيتين وجو الثانية البكائي وصور الدم واستمروا في الابتهاج والرقص.
رقصنا بفوضى جنونية وصرخنا، قضينا الليلة السابقة معا بعد شهور انقطاع استمر رغم كل الهواتف الخلوية والبوسطة الآلية والمواصلات التي "لا مقطوعة ولا ممنوعة" واشتياقنا لبعض وعمل شيء معا خارج النص. أشعل رشيد سيجارة وغنى بلكنته وصوته الذي يتقزز منه جمهور الغناء العريض في مصر، ضحكت عندما رأيت وضع تمثال أم كلثوم كأنها تشاهد معنا وقد تجمدت من الاستغراب. تلك التي لا يحب رشيد موسيقاها الشرقية، كما قال لمجلة زوايا، ولم يأخذ منها وأخذ من دهمان الحراشي الذي لم يسمع به كل من يحفظ أسماء ألف نجم فيديو كليب على الأقل.
رقص لنا رشيد مؤخرته، قال البعض أن هذا يؤكد شائعات مثليته، في الغرب يعرون مؤخراتهم، جمهورا وفنانين، في الحفلات وخارجها كحق دستوري تعبيرا عن شيء سنفهم نحن منه فقط أن "واحد عايز يتـ***". مرة جلست بجواري فتاة كالفتاة في رسمة بلانتو، نصف مؤخرتها في العراء، وأمامها أخرى في نفس الميكروباص غطت وجهها، أعلامة ليبرالية أم فصام؟ ولماذا اعترض الطلاب على عُري الفضائيات الساقطة دون عُري السينما الراقية (باحب السيما، إسكندرية-نيويورك، باب الشمس) الأكثر بورنوجرافية؟ وكيف سيقبض بوليس الآداب على من يتبادلان القبلات في ركن منزو ويتركان من يفعلان ذلك على شاشة؟
عبد القادر التي ألهبتني بوترياتها وإيقاعاتها، على اسم الأمير الجزائري المناضل والحاكم الرشيد المنحدر من نسل الحسين، الذي جُندل في البلاد التي استهلت البابلية وسقط برجها الصاعد نحو الجنة، وها هي تبلبل من جديد تحت احتلال ذي رسالة ديمقراطية، يوحي كلام رشيد بأنها خدعة حتى في بلاد منشأها.
خارجا من الحفلة، رأيت التنين البمبي الذي أكّل البطريق الطعمية، لكني ترددت ولم ألق التحية، معرفة إنترنت أسلم وأقل بلبلة، مثل لغة الموسيقى التي تمكنت من الروك والراي والراب والسبانيش معا ووصلتنا كلنا معا. عدت مع سائق تاكسي قال لي أن أباه كان وفديا رغم عمله مجرد سائق نقل وعدم انتماءه للحزب، أما الآن "الناس ما عندهاش ملة"، فكّرت: تحرَّر له مخالفة إذا تحرك بدون بُنديرة (عدّاد) لكن لا مشكلة في أنها عطلانة.
أحسّن شروط عبوديتي بنجاح، وأنضم لفئة أعلى احتمالا في الإصابة بالسرطان باستخدام موبايل (مو-بابل). ليلة الخميس نطلق رسميا من ساقية الصاوي موقعنا البابلي، الذي تصل قواعد بياناته مادة عشوائية المسار غامضته. مثل رشيد طه "تعلّمْت نِمشي".

No comments:

Post a Comment